تخيل أنك مدرس ووجدت نفسك بين مجموعة من التلاميذ المشاغبين عديمي الرحمة, ذلك النوع الذي يستمتع بإيقاعك في فخ يُرسلك إلى المستشفى… ماذا ستفعل؟
كثير من الناس يمرون بتجارب مشابهة, لكن قلة قليلة من يفعل كما فعل المعلم كليمنت ماثيو في الفيلم الموسيقي “الكورس”.
يحكي الفيلم الفرنسي الموسيقي “الكورس” (فيلم الجوقة) The Chorus (بالفرنسية Les choristes) قصة مدرس موسيقى متواضع “كليمنت ماثيو” تشاء الأقدار أن يعمل بمدرسة داخلية سيئة السمعة, شبيهة بالقلعة تضم الصبية المشاكسين الذين ترفضهم المدارس الأخرى ويتامى الحرب في فترة الخمسينات في فرنسا.
من اليوم الأول لوصول ماثيو إلى المدرسة يلاحظ تصرفات الأطفال السيئة والأسلوب العنيف الذي يمارسه المعلمون وعلى رأسهم المدير لضبط الطلاب بلا رحمة.
في حياتنا اليومية, يتعرض الكثير منا لمواقف مشابهة إن كان في مجال التعليم أو غيره. ففي حين أن أغلب المدرسين قد يصيبهم اليأس والإحباط منذ اليوم الأول في عمل كهذا, وسيحاولون التهرب بدلاً من تحسين الواقع مبررين ذلك بأنه وضع ميؤوس منه, إلا أن المدرس ماثيو وجد فرصة حقيقة في هؤلاء الصبية لإنقاذهم بالدرجة الأولى ولتكوين جوقة موسيقية أيضاً, فلم يستخدم أسلوب العنف بل سعى لصنع تغيير في هذا الواقع السيء محاولاً ضبط سلوك الأطفال بالمعاملة الجيدة وتعليمهم الغناء في كورس.
طبعاً لم يكن الأمر بهذه السهولة, واجه ماثيو الكثير من المشاكل مع الطلاب وتحديات مع المدير الذي لم يقتنع بأسلوبه المتسامح, لكن ماثيو لم يستسلم بل حاول جاهداً تحقيق حلمه بتغيير الطلاب للأفضل والحصول على جوقة تغني مؤلفاته الموسيقية.
يبرز من بين الطلاب الطفل المشاكس مورانج صاحب الصوت الجميل والوجه الملائكي (وهو مغني حقيقي) ليمتعنا بصوته الجميل على مدار الفيلم مع جوقة الطلاب, وعلى الرغم من تصرفاته السيئة يستمر ماثيو بدعمه ومعاملته بشكل جيد أملاً في تغييره نحو الأفضل وإيماناً منه بموهبته الموسيقية.
يحوي هذا الفيلم العديد من الأفكار المهمة التي يجب الانتباه إليها, فهو يقوم على فكرة أن الأطفال ليسوا سيئين بطبعهم بل يمكن بالمعاملة الجيدة والموسيقى توجيههم وتهذيب سلوكهم, كما أنه ليس جميع الناس سيئين بطبعهم بل قد يُفرض عليهم الواقع السيء فيستسلمون ويتصرفون بشكل غير جيد وعندما تحين الفرصة لهم ليصبحوا أناساً جيدين فإنهم يستغلونها, في الفيلم مثلاً تأثرَ بعض المعلمين بأسلوب ماثيو وبدأوا بتغير أسلوبهم القائم على العنف, كمدرس الرياضة الذي كان مؤمناً بأن الرياضة والموسيقى دعامة للمجتمع وطريقة لتغييره نحو الأفضل لكنه لم يجد البيئة المناسبة في هذه المدرسة قبل وصول ماثيو إليها.
تتميز شخصية المدرس ماثيو بالذكاء الاجتماعي, الشجاعة, ضبط النفس والإرادة القوية فقد حاول البحث عن مواهب في هؤلاء الصبية بدلاً من محاربة تصرفاتهم السيئة, كما حاول التقرب إليهم وجعلهم يشعرون أنه شخص مثلهم بتصرفات بسيطة أحدثت فرقاً كبيراً, مثلاً: عندما اختار مورانج المشاغب ليضبط رفاقة أثناء غيابه للحظات, وجد ماثيو عند عودته أن أصوات الطلاب تملأ القاعة في حين أن مورانج كان مشغولاً برسم ماثيو على السبورة وجميع رفاقه في الصف يضحكون ويقومون بما يحلو لهم من ضرب وتكسير… فكان رد المعلم ماثيو بعد ضبط الصف أن قام برسم مورانج بجانب رسمه بطريقة مضحكة لإحراجه وضبط تصرفه.
هذا الفيلم ملهم لكل الشباب المقبلين على مرحلة التعليم كمدرسين, فمهنة التدريس مقدسة ويجب التعامل معها بوعي كافٍ وبحذر, الفيلم أيضاً جيد جداً لعشاق الموسيقى, إنه متعة موسيقية حقيقية للأذن يُعرفك ولو بشكل بسيط على موسيقى الجوقة (الكورس) وربما سيجعلك ترغب بالغناء أيضاً !!
يمكن القول أن الفيلم الموسيقي “الكورس” من أفضل الأفلام الموسيقية الملهمة (موسيقى الفيلم من تأليف برونو كوليس Bruno Coulais), والمؤثرة دون أن يُبالغ في إظهار مشاعر الشخصيات وعلى الرغم من أنه يمكنك التنبؤ بالأحداث إلا أنه يحافظ على حماسك وتأثرك طوال مدة الفيلم.
ما هي الجوقة (الكورال)؟
عبارة عن فرقة من الأصوات البشرية التي تقوم بالغناء, وقد يصاحبها بعض الآلات الموسيقية في الأوركسترا. تعود جذورها إلى الموسيقى اليونانية القديمة حيث كانت تؤدي مجموعة من المتعبدين أناشيداً تراجيدية للآلهة القديمة.
للمزيد: يمكنك مشاهدة فيديو كورال 10,000 ياباني يؤدون المقطع الأخير من سمفونية بيتهوفن التاسعة .
إذا لم تحسم أمرك بمشاهدة هذا الفيلم استمع إلى هذه البليست من أجمل الأغاني التي وردت في الفيلم, وستتأكد بنفسك أنه يستحق المشاهدة!!
في البليلست
1- أغنية الليل “La Nuit” للمؤلف رامو Rameau من عصر الباروك وتم إعادة تقديمها بشكل حديث في الفيلم.
2- أغنية في المحيط “sur l’océan”
3- أعنية طائرة ورقية “Cerf volant” (مشهد وداع ماثيو)
4- الأغنية الرائعة انظر إلى طريقك “Vois Sur Ton Chemin”
يمكنك الاستماع للقائمة كاملة هنا بالأسفل.
